"" شباب لبنان مجدداً في النزاعات الطائفية.. ""

الشباب ثورة وحيويّة ونشاط ومبادئ. كيف تتعامل الكنيسة معهم؟ هل نعمل لأقلمة لغتنا على متطلّباتهم، لنحمل إليهم يسوع بطريقة يكتشفون فيها أنّه بمتناولهم ويتجاوب مع حاجاتهم العميقة؟ تأثّر الشباب اللبناني بشكل كبير في الأحداث التي جرت في لبنان، والتي كرّست النزاعات الطائفيّة، فظهر إلى العلن انقساماً أفقيّاً بين هذه القوى. قال الدكتور في علم الاجتماع رودريك بو عبسي: «الشباب في لبنان وقعوا مجدّداً في الصراعات الطائفيّة، وهذا مؤشر يدعونا الى التنبّه من مخاطر كثيرة، وخصوصا علاقة الشباب بالكنيسة التي باتت في أزمة قد تطول...».

 



1 - ما هي علاقة الدين بالمجتمع ؟

قال الدكتور رودريك بو عبسي: "يُظهر عدد من الأدبيّات المنشورة حول الثقافة، الأهميّة التي أولاها الباحثون الاجتماعيّون والسياسيّون للدِّين كمُكوِّن أساسي لمفهومها العام، وللثقافة السياسيّة بمفهومها الخاص. فهو "مُرادِف للاجتماعي"، أي أنّ كل تصوّر أو سلوك اجتماعي يُستقى مصدره من "الدِّيني" (religious). فجذور الحياة الاجتماعيّة تمتدّ عميقاً في الحياة الدينيّة". تكتسب هذه العلاقة أهميّة خاصة، وبُعداً مُميّزاً في بعض المجتمعات غير المُتجانسة، إذ يُعتبر الانتماء الدّيني أحد عناصرها التي تُثير الخلاف، لِما له من دور في تكوين الأفكار السياسيّة وإدارة الحياة السياسيّة، وآليّة عملها".

وأضاف بو عبسي: "تُظهر الدراسات الحديثة التي يقودها كبار علماء الاجتماع السياسي أثرَ المفاهيم الدينيّة في العلاقات الاجتماعيّة، سواء لجهّة تكوين الأفكار التي تضبط السلوك الاجتماعي، كالتسامح والمحبّة وتقبُّل الآخر وانعكاساتها السياسيّة، أو لجهّة المواقف التي تتكوّن كخلاصة للأفكار عينها، فتتجلّى تعصّباً أو تعايُشاً وانفتاحاً. يَعتبر "نيسبه" أنّ "دراسة الدِّين ضروريّة لفهم تاريخ المجتمع وتحوّلاته وتغييراته، فلا يمكننا أن نعتبره عقيدة فقط، إنما عادات وتقاليد ومجموعة منظّمة تمارس داخلها السلطة". وعلى رغم اعتماد الدول الأوروبيّة على العلمانيّة، فإنّ الدِّين ترك بصماته عليها، واستعارت بعض مبادئه وقيَمه كالعدالة والمساواة والحريّة، وبعض ممارساته وصولاً لتحديد أيّام العطل مثال المراسيم الرسميّة (تسلّم رئاسة الجمهوريّة، منح الأوسمة، البيارق...)".

2 - كيف اختلفت النظرة إلى الدِّين
مع اختلاف المجتمعات؟

اعتبرت الماركسيّة الدِّين جزءاً من بُنية فوقيّة ذات أهميّة اجتماعيّة ثانويّة سبباً للنِزاعات التي يجب عدم تنميتها، فارتكزت في تحليلها على ضعف المؤسّسات الدينيّة في أوروبا بعد الثورة الفرنسيّة وتدنّي ممارسة الشعائر الدينيّة، ونسبة الدعوات الكهنوتيّة، لتعتقد أنّ الدِّين سوف يتراجع مع الزمن حتى يضمحِلّ. وقد أظهرت الوقائع "أنّ أُسُس المشاعر الدينيّة ليست كلها اجتماعيّة، إنّما وجدانيّة، ما يُبعد إمكانيّة اضمحلالها"، إذ شكّل تمسّك أوروبا الشرقيّة بقيَمها الدينيّة بعد سقوط الاتّحاد السوفياتي خير دليل على ذلك. وقد يكون الانتماء الديني عامل توافق في المجتمع، حيث يُستقى من مبادئه أُسُس قيام نظام سياسي متسامح ومتساهل. ففي الولايات المتّحدة الأميركيّة مثلاً، برز الدِّين كعامل إيجابي في المجتمع، إن من ناحية قيام الديموقراطيّة داخل المجتمع، أو من ناحية تكوين المبادئ والمثُل الأخلاقيّة والإنسانيّة التي حافظت على الأخلاق وطبيعتها. عندها، تابع الناس ممارسة شعائرهم الدينيّة المستوحاة من المثُل العليا "التي تقود الإنسان إلى الحريّة المستنيرة من القوانين الخالدة"، فـ"روح الدِّين" (Esprit) و"روح الحريّة" متوازيان، وتتجلّى إيجابيّة الدِّين أيضاً من خلال الانفتاح الذي يزرعه في المجتمع، فيُحافظ هذا الأخير على تماسكه واستمراريّته واستقراره. وقد يُصبح عاملاً سلبيّاً في ظل الجهل والانغلاق، فيَتقوقع المجتمع على نفسه، ويتّخذ الأفراد من الشريعة المحرّفة أحياناً دستوراً لحياتهم، وغالباً ما يكون الهدف من هذا التصرّف، التحكُّم بالناس والسيطرة عليهم. فالدِّين لا يتمتّع، في المُطلق، بقدرة -إيجابيّة أو سلبيّة- على الإنسان، ولكنّه يستمدّ تأثيره من التصوّرات والاجتهادات التي يُضفيها العقل البشري عليه، ومن المكانة التي يمنحها له، وكيفيّة تعامل الفرد مع مبادئه. هنا تُصبح الأديان، مهما كانت طبيعتها، عامل نِزاع أو توافق. وخير دليلٍ ما حصل في لبنان، حيث يُشير تاريخه القديم والحديث إلى أنّ التعامل مع الانتماء الديني كوسيلة تمييز، جعلت منه عامل صراع في بعض الأحيان (ثورة 1840، 1860، 1958، 1975) وعامل توافق في أحيانٍ أخرى، فعرفت البلاد فترات سلميّة عاش فيها اللبنانيّون مسلمين ومسيحيين في حيٍّ واحدٍ وقريةٍ واحدة.


3 - ما هي علاقة السلوك الاجتماعي للفرد بالطائفة؟

اعتبر الباحثون الاجتماعيّون والسياسيّون: "أنّ كل تصوّر أو سلوك اجتماعي يُستقى مصدره من (الطائفي)، وأنّ جذور الحياة الاجتماعيّة تمتدّ عميقاً في الحياة الدينيّة". تكتسب هذه العلاقة أهميّة خاصة، على سبيل المثال لبنان، الذي تتأثّر حياة أبنائه الاجتماعيّة والسياسيّة بانتمائهم الطائفي، خصوصاً في فترة الحرب الأهليّة وما بعدها. وفي اعتقادنا أنّه حاضرٌ باستمرار في اللاوعي اللبناني، وذاكرته الجماعيّة، إلّا أنّه مرّ بفترة ضمور في السبعينيات، نتيجة الازدهار الاقتصادي الذي عرفه البلد. تأثّر الشباب اللبناني بشكل كبير في الأحداث التي جرت آنذاك، والتي كرّست الصراعات الطائفيّة، والخلافات الحادة بين القوى السياسيّة، فظهر إلى العلن انقساماً أفقيّاً بين هذه القوى. وكما أنّ تاريخ لبنان يشهد على هكذا حالات حصلت في الماضي، وما أسفر عنها من نتائج سلبيّة تحمّلها الشعب اللبناني، إلّا أنّ الشباب في لبنان وقعوا مجدّداً في الصراعات الطائفيّة، واختبروها من خلال الحوادث الأمنيّة التي شهدها لبنان منذ العام 2005.


4 - هل الشباب اللبناني مُسيّرٌ في خياراته أم هو مُخيّرٌ؟

بعد الدراسة التي أعددناها حول هذا الموضوع، تبيّن لنا أنّ الشباب اللبناني مُسيَّر وليس مُخيَّراً في النشاطات السياسيّة التي يقوم بها، حيث وافق على ذلك 70,8 في المئة من أصل مجموع عيّنة الدراسة، وهي نسبة مرتفعة تُعبِّر مرّة جديدة عن الحالة التي يعيشها هؤلاء الشباب، وذلك من خلال الرسم البياني ادناه:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات