في ظلّ بندَين متناقضين أصبحا واحداً من أسلحة المواجهة بين الغالبية والأقلّية، تمسي الآمال المعقودة على طاولة الحوار الوطني ضئيلة، إن لم تكن شبه معدومة. وتصبح أيضاً حظوظ الرئيس ميشال سليمان لاستعادة موقعه التوافقي ضئيلة، بعدما أخذت عليه المعارضة تخلّيه عن هذا الموقع بقبوله توقيع مرسوم تأليف حكومة ميقاتي ممثلة لفريق سياسيّ واحد من لون واحد، فيما أضحى الرئيس في صلب السلطة الإجرائية الجديدة.
يمثّل جدول أعمال جلسة محتملة لطاولة الحوار الوطني مشكلة جوهرية بين طرفين، لكلّ منهما جدول أعمال منفّر للآخر: قوى 14 آذار تريد بنداً وحيداً هو سلاح «حزب الله» ووضع مهلة للاتّفاق على بتّ مصيره كي يكون في عهدة الدولة ليس إلّا، وقوى 8 آذار تريد جدول أعمال ببند وحيد أو ببنود شتّى لعمود فقريّ واحد هو الاستراتيجيا الدفاعية لحماية لبنان من إسرائيل، لا تجريد المقاومة من سلاحها.
وتؤكّد مصادر سياسية في هذا الإطار أنّ «الغالبية والمعارضة تلتقي على التئام طاولة الحوار بشروط، إلّا أنّ كلّاً منهما تودّ استخلاص نتائج معاكسة للأخرى، بحيث تتوخّى قوى 8 آذار من هذا الانعقاد انتزاع اعتراف الفريق الآخر بالشرعية الجديدة، الممثلة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتي لا يزال ينكرها عليها، لكن بلا أدنى التزام بأمر سلاح غير قابل للمناقشة.
أمّا الفريق الآخر، القاطع في رفضه المشاركة، فهو يصرّ على ما لن يحصل عليه، وهو انتزاع التزام مسبق من قوى 8 آذار يتّصل بثنائية ما يعدّه سلاحاً غير شرعيّ في أيد غير شرعيّة، هي ثنائية سلاح «حزب الله» وسلاح المعسكرات الفلسطينية خارج المخيّمات.
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ «هناك حاجة ماسّة قبل الحوار إلى إظهار هذه الحكومة قدراتها على مواجهة ما تقول إنّها أقدر على القيام به وحدها من دون سائر الشركاء في الوطن بلا ادّعاء أو مكابرة، وخصوصا ان أفرقاء هذه الحكومة سبق أن أسقطوا بنوداً اتّفق عليها في الحوار لأسباب يعتبرونها مبرّرة، فيما لا يراها الآخرون كذلك، كالتراجع عن التوافق الذي أقِرّ حول المحكمة الدوليّة على طاولة الحوار، إضافةً إلى أنّ الاتّهامات بالعجز عن إتمام أيّ أمر، والتي كان يوجّهها فريق 8 آذار الى خصومه على رغم مشاركته في السلطة، تدفع الآخرين الى امتحانهم في ما يمكن ان يقدّموه من دون وجود تغطية من الشركاء الآخرين من خلال طاولة للحوار يراد لها ان تبحث في الأمور السياسية بما يتعدّى موضوع سلاح «حزب الله» المدرج تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية.
وتلفت المصادر السياسية عينها الى أنّ ثمّة مسألة تبدو في الظاهر شكليّة إلّا أنّها تقع في لبّ التوازن السياسي الجديد المنبثق من تكوّن غالبية نيابية جديدة بعد انهيار الأكثرية التي مثّلتها قوى 14 آذار منذ انتخابات 2009 حتى مطلع السنة الحاليّة، عندما أطيحت حكومة الرئيس سعد الحريري، هي أنّ الطاولة السابقة للحوار الوطني لم تعد في ذاتها صالحة للمضيّ في عملها، ولا تراعي توازن القوى الجديد.
فتيّار المستقبل وحلفاؤه يرفضون المشاركة في جولة جديدة من الحوار الوطني لأسباب مرتبطة مباشرة بفقدانهم ترجيح الكفّة التمثيلية في طاولة الحوار، على رغم أنّ هذه لا تحتكم إلى التصويت، ولا تحلّ محلّ المؤسّسات الدستورية، وهنا تقع على رئيس الجمهورية مسؤولية نجاحها، لأنّه بات لطاولة الحوار شكلٌ جديدٌ يُعتَبَر أساساً لنجاح مهمّتها، بغضّ النظر عن جدول الأعمال، ما يستوجب إعادة النظر في تركيبتها الحاليّة.
وترى المصادر أنّ قوى 14 آذار لن تعطي براءة ذمّة مجانية لحزب الله عبر المشاركة في طاولة حوار تتناسب مع توقيته ومتطلّباته، في حين أنّ الفرصة قد تكون متاحة في المستقبل ليأتي اليها بشروط الآخرين، حزب الله الذي سيواجه عاجلاً أم آجلاً المزيد من الضغوط والضربات التي ستضعف وضعيته السياسية والمعنوية نتيجة لحصاره في زاوية القرار الاتّهامي المرشّح لـ"إفراز المزيد من القرارات والأسماء المطلوبة للعدالة الدولية".
وما يزيد من قناعة فريق 14 آذار بأنّ التوقيت الحاليّ غير ملائم لمعاودة انخراطه في أيّ إطار حواريّ، شعوره بأنّ الوضع في سوريا ما زال مفتوحاً على كلّ الاحتمالات، وسط استمرار المدّ والجزر في الشارع بين النظام ومعارضيه. لذلك فإنّه من السابق لأوانه بالنسبة الى هذا الفريق ان يحسم خياراته الداخلية، سواء في اتّجاه الحوار أو المواجهة، قبل أن تنقشع الرؤية في دمشق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق