يرفض الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري مقولة ان هناك فرزا طائفيا في البلد، ويتمسك أكثر وأكثر بتعبير الفرز السياسي الناجم عن السياسة التي يتبعها كل من فريقي 8 و14 آذار، وعلى رغم ذلك لا يخفي خوفه من تدخل طابور خامس على خط اللعب على الوتر المذهبي.
ويؤكد الحريري في حديثه إلى "الجمهورية" أن "بعد الخطابين الأخيرين للرئيس سعد الحريري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، أصبحت الأمور واضحة بالنسبة إلى الجميع، إذ إنّ هناك فريقين لكل منهما توجهاً سياسياً معيّناً، فنحن كقوى مستقلة ندعم الثورة السورية وحركة التحرّر هناك، بينما الفريق الآخر الذي يمثله "حزب الله" يذهب إلى النهاية في دعمه النظام السوري". ويلفت إلى أنّ هذا الفريق "إنما يدافع عن مصالحه لأنه يدرك تماماً أن هذا النظام هو في النهاية شريان حيوي ومصيري بالنسبة إليه".ويضيف: "في الأمس أطلّ رئيس وزراء العدو إيهود باراك وقال انه لم يحن الوقت لتغيير النظام في سوريا"، سائلا: "كيف يتمسك الحزب بنظام تدافع عنه إسرائيل؟ واكثر من ذلك فهي تنصح الأميركيين بعدم الضغط على هذا النظام". وفي هذا الإطار يسأل الحريري جمهور "حزب الله": "ما هو موقفكم من كلام رئيس وزراء العدو الإسرائيلي؟"، مضيفا: "حزب الله بات عاجزا عن تقديم أجوبة إلى جمهوره في شأن المحكمة الدولية، بعدما كان يَعدُه بعدم تمويلها، كما أن التمديد للمحكمة قد مرّ ولم نسمع منهم كلمة في هذا الشأن"، معتبرا أنّه "لم يكن ينقص باراك سوى الإعلان عن علاقة ربطتهم بالنظام السوري على مدى 40 عاماً".
ويقول الحريري: "إنّ تلازم المسار السوري - الإسرائيلي ليس بجديد، وإذا أردنا العودة أيضاً إلى العلاقة الإيرانية - الإسرائيلية، فهناك حضارة ما قبل الثورة الإسلامية وما بعدها، ويكفي أن نذكر فضيحة التسلّح الإيراني على يد إسرائيل والتي عرفت يومها بفضيحة "إيران غيت"، موضحاً أنّ "البلد اليوم منقسم على عنوان سياسيّ وليس طائفياً، وفي هذا الخصوص لنا رأينا ولهم رأيهم".
ويشدّد الحريري على أنّ "كلمة فتنة مذهبية ليست موجودة في قاموس تيار "المستقبل" أو داخل ما يمثّله، ولا قرار بالمواجهة مع أي طرف، وفي نهاية المطاف، نحن لبنانيون ولسنا غرباء بعضنا عن بعض، علماً أنّ الفريق الآخر لطالما طالبنا بإجراء فحص دمنا".
طابور خامس
لا يخفي الحريري خوفه من "تدخل طابور خامس لافتعال مشكلات متنقلة على الساحة الداخلية من أجل زرع بذور الفتنة المذهبية"، وفي هذا الصدد يشير إلى أنّ "هذه الطوابير عادة تنطلق من بيئة مهيئة لهذا الأمر من جراء مواقف غير متوازنة هدفها إثارة النعرات الطائفية"، ويدعو "حزب الله" إلى "إجراء عملية حسابية للربح والخسارة من خلال العودة إلى ما قبل العام 2005 وأن يحدد العناصر التي جعلته يصل إلى هذه المرحلة من التخبّط".
وعن تصريحات وزير الدفاع فايز غصن في إيران، يقول الحريري: "لقد استحى "حزب الله" أن يطرح معادلة "أمن إيران من أمن لبنان"، علماً أنهم يطبقونها على أرض الواقع". وهنا يتبادر إلى ذهن الحريري الأسئلة الآتية: "من منع تسليح الجيش في زمن الوصاية السورية؟ أليس السوري والأميركي ضمناً من خلال الترابط بينهما الذي كان هدفه حماية إسرائيل؟ ولماذا لم يسلّحوا الجيش في حينه، ولماذا لا يعطون الجيش اللبناني اليوم عشرة في المئة من السلاح الذي يعطونه لحزب الله؟"
ويعترف الحريري بأن 14 آذار "قد تفقد نكهتها في حال خرج منها المجتمع المدني، وهذا ما جعلنا نقدم على خطوة مهمة هدفها إعادة إحياء الشقّ المدني داخلها وهذا ما ستراه الناس قريبا". ويأسف "لأنّ الشباب الذين نزلوا إلى الساحات في كل المناسبات التي تخصنا لا يشاركون في الحياة السياسية إلا بنسبة 5 في المئة وهذه نسبة ضئيلة جدا، مع العلم انهم كانوا السبب الأول في خروج الجيش السوري وهم الذين حضّروا لربيع الثورات العربية".
ولم يستبعد الحريري إمكان توسعة الأمانة العامة لقوى 14 آذار، "وهناك فكرة أساسية سبق أن طرحت قوامها مجلس إلى جانب الأمانة، يرأسه كل فترة شخص، لأن من الضروري سماع آراء الناس الذين لا يشاركوننا السياسة يومياً، وعلى مختلف الأحزاب أن تفتح لهؤلاء المجال للدخول الى المعترك السياسي، فالمجتمع المدني إلى جانب الأحزاب يبنيان وطنا، ولكن الأحزاب من دون مجتمع مدني لا تستطيع".
قانون الانتخابات
على مستوى قانون الانتخابات، يرفض الحريري إثارة الموضوع في العلن، ويستطرد: "لكن في النهاية سنتفق مع الحلفاء، وللأمانة لا يوجد حتى الساعة تطابق كليّ في هذا الموضوع، مع العلم أن هناك قواسم مشتركة عدة وتبقى بعض الخلافات على بعض البنود"، مطمئنا الجميع إلى "أننا لن نختلف، وسنتفق على قانون انتخاب يمثل طموحات الجميع".
الشيعة المستقلون و14 آذار
الشيعة المستقلون غائبون عن أي تصوّر لقوى 14 آذار، والشيعي الذي ضحّى وناضل من أجل هذه الثورة أصبح اليوم غائبا كلياً عن فكر هذه القوى، وهنا يؤكد الحريري أن "هذا القسم من الشيعة قد ظلم منذ الاتفاق الرباعي، وأكثر من هذا فإن "حزب الله" كفيل بحرق أي حالة شيعية مستقلة إن من الناحية العقائدية أو السياسية، واليوم يجب أن يخرج كثيرون مثل صبحي الطفيلي لنتمكن من تكوين تحالف معهم شرط أن يكون ندّاً وليس عابراً". ويوضح أن "هذا التوجه لا يصح إلا إذا جاء من داخل الطائفة الشيعية نفسها وليس من مكان آخر، لأننا لا نستطيع فرضه من الخارج، وإلا فإنني أكون أخدم حزب الله".
ويعتبر الحريري أن حزب الله "سيعود إلى حجمه الطبيعي بمجرد أن يسقط النظام السوري، وعندها سيتمكن الجميع من رؤية الطائفة الشيعية بكاملها بعدما هيمن الحزب على قرارها".
مهرجان 14 آذار؟
بدأ الآذاريون يتكهنون منذ الآن، عما إذا كانت مناسبتهم في الرابع عشر من آذار ستجمعهم من جديد وأين؟ وهنا يوضح الحريري "أن هذه المناسبة العزيزة على قلوب الجميع ستكون مهرجانا مدنيا سياسيا، وبالتأكيد لن يكون مهرجانا شعبيا"، نافياً علمه بالمكان الذي ستقام فيه "لأن الأمر يعود للأمانة العامة ومنسقها العام النائب السابق الدكتور فارس سعيد".
ويعد الحريري الناس بـ"مفاجأة ترضي طموحات المجتمع المدني" في هذا اليوم، "ولكن لن تكون من الرئيس سعد الحريري"، مؤكدا أن "طرحنا لم ولن يكون يوماً لطرف سياسي محدد إنما للبلد كله، وهذا أمر معروف منذ مؤتمر البريستول الأول وقبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري".
الخلاف مع دار الفتوى
من جهة أخرى، ظهر الخلاف بين "المستقبل" ومفتي الجمهورية محمد رشيد قباني إلى العلن ولم يعد أحد يستطيع إخفاءه، على رغم تكتم البعض على ما يجري على هذا الصعيد. وهنا يرفض الحريري "الغوص في هذا البحر أو إعطاء تفاصيل إضافية عن عمق الأزمة"، مكتفيا بالقول "إنّ ما يجري في دار الفتوى هو شأن داخلي ويعالج بالشكل الصحيح، والرئيس فؤاد السنيورة هو الذي يدير هذا الملف، ولهذا نعتقد أننا سنصل إلى خواتيم مقبولة، وبالتالي لن يكون هناك تشنج كبير".
وينفي الحريري أن يكون "المستقبل" قد تخلى عن قباني، ويؤكد أن الأخير "هو من تخلى عن ثوابته"، مضيفا: "نحن نلام لدى الجميع وأمام الله لأننا لم نفتح الملفات". ولدى سؤاله عن سبب عدم فتح هذه الملفات، يجيب: "سمعة الدار والمركز اهم من الشخصانيات"، لافتا إلى أنّ قباني "دعا إلى انتخابات المجلس الشرعي، لكنه عندما تأكد أنه لن يربحها قرر إرجاءها".
وعما إذا كان اللقاء الذي جمع في باريس الرئيس سعد الحريري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد أنهى الخلاف بين الرجلين، يوضح الحريري أن "الزيارة لا تعني إنهاء الخلاف السياسي مع ميقاتي، إلا في حال عاد إلى الثوابت التي انتخب على أساسها في طرابلس، وعندها نفكر في الأمر بعد أن نستشير جمهورنا الطرابلسي حتى لا يذهب صوته هدراً مرة أخرى".
الحريري لنصرالله... أنا موجود
يبدو أن الحريري قد أزعج السيد نصرالله من خلال مواقفه المتلاحقة، إلى حدّ جعل الأخير يخرج عن هدوئه المعتاد، وهنا يختم احمد الحريري قائلاً: "لقد اطلّ نصرالله أخيراً وتوجه إلى الرئيس الحريري بالقول "انت لا تعطي ضمانات"، وكان مغذى كلامه أننا قمنا بتشويهك إعلاميا وطاولناك بشخصك وأقلناك من الحكومة من خلال الانقلاب الشهير، وشكّلنا الحكومة التي نريد، لكن في النهاية أطلّ سعد الحريري كقوة أساسية موجودة وقال له انا موجود، عندها جنّ جنون نصرالله وبدأ بالصراخ والتهديد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق