"" ماذا يدور على خط بكركي - بعبدا - الرابية؟ ""

من الواضح أنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يُبدي إصراراً على جمع رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون، ولكن يبقى السؤال: ماذا وراء هذا الإصرار؟

 
أن يكون للبطريرك الراعي أجندة مسيحية في موازاة الأجندة الوطنية، فهذا أمر حسن، خصوصاً أنّ الأجندة الأولى أدّت، بشكل أو بآخر، إلى تراجع التشنّجات والحملات المتبادلة، ونجحت في اتفاق القوى المسيحية المنضوية في لقاء بكركي على رؤية انتخابية موحّدة على قاعدة إعطاء الأولوية للمشروع الذي يؤمّن التمثيل الأفضل للمسيحيّين، فضلاً عن مقاربة الملفات المتصلة ببيع الأراضي والحضور المسيحي داخل الإدارة.

وإذا كان "نجح" الراعي حيث فشل البطريرك السابق مار نصرالله بطرس صفير، فلأنّ الأخير كان يُبدّي الأولوية الوطنية على أيّ اعتبار آخر، ولم يكن يتردّد في أيّ مناسبة من التعبير عن أفكاره وقناعاته التي كانت تتقاطع مع الفريق الاستقلالي وتؤدي إلى مقاطعته من قبل الفريق المناوئ للاستقلال. وهذا ما حاول البطريرك الحالي تلافيه من خلال ابتعاده عن اتخاذ مواقف واضحة من القضايا المطروحة، وعندما أعلن بعض المواقف التي تجعله أقرب إلى طرف دون آخر لمس بالملموس مدى انعكاس هذه المواقف على "الإنجاز" الذي حققه بالتئام "الطاولة المسيحية"، لأنّ أيّ فريق لن يمنح البطريرك الغطاء لسياسات تتناقض مع سياساته.

وإذا كان المجال ليس متاحاً لمناقشة أيُّ سياسة لبكركي هي الأجدى، إلا أنّ التوجّه الذي اعتمده الراعي يفترض أن يجعله على مسافة واحدة من الجميع، كونه أخذ على عاتقه مهمّة توحيد الصف المسيحي، بمعزل عن الموقف الوطني، وأيّ خروج عن هذه القاعدة يؤدي حُكماً إلى "زعزعة" التوجّه الذي أرساه.

ولعلّ مناسبة هذا الكلام، المساعي المتكرّرة للبطريرك للدخول على خط التوفيق بين بعبدا والرابية في مسألة التعيينات الإدارية والتي كانت تصطدم دوماً إمّا بتعنّت عون نتيجة تمسّكه بـ"حصّة الأسد"، أو بروز خلافات حيال ملفات أخرى على غرار رفض وزير العمل السابق توقيع مرسوم بدل النقل، أو أخيراً الإشكال البروتوكولي في "قداس" مار مارون.

ولكن، من الواضح أنّ هدف البطريرك أبعد من مصالحة الرجلين إلى هندسة العلاقة بينهما، هذه العلاقة التي بدت متوترة باستمرار للأسباب المعلومة والعائدة لعون بطبيعة الحال، إلا أن نجاح الراعي في هندستها يطرح أكثر من سؤال على البطريرك والرئيس في آن معاً:

أولاً، على مستوى البطريرك الراعي

أ- أين مصلحة الراعي في حلّ عقدة أساسية من عقد الحكومة الميقاتية ومدّها بالأوكسيجين، خصوصاً أنّ بقاء هذه الحكومة واستمرارها مردّه إلى عامل أوحد هو تمسّك "حزب الله" بها بعد تحوّلها إلى ورقة من أبرز أوراق مواجهته؟

ب - أين مصلحة الراعي في تزكية مسيحيي 8 آذار على حساب مسيحيي 14 آذار والمستقلين؟ وما تداعيات نجاحه في بلورة هذا التفاهم على "وحدة الطاولة" التي تمكّن من تحقيقها؟

ج- هل تعزيز الحضور المسيحي داخل الإدارة يكون عن طريق الفرز بين المسيحيين، أم نتيجة توافق كل قياداتهم؟

د- لماذا حصر البحث في التعيينات بين أطراف قوى الموالاة دون المعارضة المسيحية، فيما البطريرك يدرك جيداً أنّ تبدّل الأكثرية جاء نتيجة ظروف انقلابية، فضلاً عن أنّ التوازنات المسيحية على الأرض تفترض التوفيق فيما بينها وليس تغليب فئة على أخرى؟

هـ لماذا لا يجعل ملف التعيينات ملفاً من الملفات المطروحة على طاولة بكركي، ويصار إلى تخريجها بالتوافق بين كل المسيحيين؟

ثانيا على مستوى رئيس الجمهورية

1 - أين مصلحة سليمان بالتقارب مع عون في لحظة سقوط الحليف الإقليمي للأخير؟

2 - يدرك سليمان أنّ التباعد مع عون يشكّل "ورقة الاعتماد" التي يمكن أن يقدّمها للفريق الآخر من أجل أن يحتفظ بوضعيته بعد سقوط النظام السوري في ظلّ وجود توجّه لدى قسم من 14 آذار بالدعوة إلى إسقاط السلطة وليس فقط الحكومة.

3 - يُدرك سليمان أنّ إمكانية التوافق مع عون معدومة في ظلّ رغبته الاستئثارية، فيما تجربته مع 14 آذار النيابية والبلدية أكثر من مشجّعة.

4 - يُدرك رئيس الجمهورية أنّ الشعبية التي يمكن أن يراكمها متأتية من الفئات التي ابتعدت عن عون وليست بوارد الانخراط في 14 آذار، وبالتالي توافقه مع سيّد الرابية يجعل هذه الفئة تنأى بنفسها عنه.

5- يُدرك رئيس الجمهورية أنّ تعزيز وضعية عون إدارياً وسياسياً ستكون على حساب مسيحيي 14 آذار.

ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه أخيراً: هل ينجح الراعي في الوصل بين سليمان وعون على غرار نجاح برّي في الوصل بين ميقاتي وعون؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات