كادت هستيريا اللحوم الفاسدة التي
ضربت لبنان في الفترة الاخيرة أن تنسينا انّ الفساد في لبنان مستشري في
المجالات كافة، من مالية واقتصادية وقانونية وقضائية وإدارية وصحية، وكدنا
ننسى انّ وراء الفساد مفسدين يملكون هوية وعنوان، فمع الأسف تقع الذاكرة
الجماعية للمجتمع اللبناني ضحية أنماط مبسطة وخادعة تقوم على التعميم،
فيوضع الجميع في سلة واحدة ويُجهّل الفاعل ما يؤدي الى تعطيل الحس النقدي
لدى المواطن وبالتالي الى ضياع المسؤولية، ولطالما كانت المفاهيم في لبنان
متغيرة وفقاً للأهواء ما أدّى الى التسيب الأخلاقي في مجتمعنا، والذي تظهر
نتائجه بوضوح من خلال هذا الإهتراء، وكلما ابتعد هذا المجتمع عن قيمه، كلما
جنح باتجاه ثقافة الفساد.
إنّ حجم الفضيحة الذي أتخذته قضية الأمن الغذائي يثبت أنّ الغش مستشري في هذا القطاع منذ عقود وليس وليد البارحة، وعلى رغم الاداء غير المرضي للحكومة الراهنة بشكل عام، إلاّ انها حققت قفزات نوعية في بعض الملفات الحياتية ومن ضمنها ملف الامن الغذائي، وتبقى العبرة في اقرار مشروع القانون المقدم الى المجلس النيابي بخصوص تشديد العقوبات على المزورين وعدم اعطائهم الاسباب التخفيفية.
ولكن ماذا عن ملف الفساد الصحي، الذي يتساوى في خطورته مع الفساد الغذائي نظراً لما يشكله الدواء الفاسد من خطر على حياة المرضى، وخصوصا اولئك الذين يخضعون للعلاج وبحاجة ماسة الى دواء صحيح يخفف من أوجاعهم ويؤهلهم للشفاء؟
في التاسع والعشرين من الشهر الفائت أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت غسان الخوري ثلاثة أحكام في حق صيادلة على خلفية بيعهم أدوية مهربة ومزورة، قضى الاول بسجن صاحب صيدلية مازن في محلة كورنيش المزرعة مازن البساط مدة ستة أشهر بعد خفضها من سنة وثلاثة أشهر وتغريمه مبلغ سبعة ملايين ليرة بعد خفضها من ثلاثين مليوناً، وهنا نسأل القضاء اللبناني، ما الفرق بين مروج المخدرات ومروج الادوية الفاسدة، ولماذا يحصل الثاني على أسباب تخفيفية فيما تشدّد العقوبة على الأول؟ هذا في القانون، ونأمل ان يتبع المشرّع في هذا الاطار المسار الذي اتبعه في الملف الغذائي من ناحية تعديل القانون؛ أمّا في السياسة فلا شيئ يحول دون تطبيق الاسباب التخفيفية في الحالتين، وهذا الموضوع يدرج تحت عنوان تسييس القضاء، وهي الخانة التي تصنف من ضمنها قضية الحكم الصادر في حق مازن البساط، فمن هو مازن البساط وكيف تمكن شخص يُعرّض صحة الناس للخطر من الحصول على حكم مخفف؟
مازن البساط يعرف بصلته الوثيقة برئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة، فهو شريك السنيورة في شراء العقارات وتسجيلهم باسمه لإبعاد الشبهات، وهو شريك السنيورة بالاستيلاء على شركة TMA وهو شريكه كذلك في السوق الحرة لمطار بيروت الدولي وفي شركتي MEA و MEAS، والبساط راكم ثروته الى جانب هذه الشراكة من خلال تهريب 4 مليارات دولار من العراق في مرحلة الاحتلال الاميركي لبلاد الرافدين بواسطة طائرة بساط الريح التي يملكها، وتمّ تبييض هذه الاموال بأساليب عدة بعد توزيعها على عدد من الرأسماليين الكبار، وفق إفادة ابراهيم عياش في قضية بنك المدينة.
لا شك ان الإضاءة على البساط من دون غيره تكمن في العبرة، نظراً للصورة التي يعكسها هذا الشخص على فئة إجتماعية بأكملها تعرف بنادي الأثرياء الجدد(nouveaux riches)، والتي نمت بشكل لافت في لبنان في السنوات العشرين الاخيرة، وتزداد حولها الشبهات بنحو متزايد، نظراً للفترة القياسية التي تمكن من ينتمون إليها من جمع ثرواتهم الطائلة وبطرق غير مشروعة بالطبع، وهذه الفئة الى جانب كونها جزءاً من السلطة السياسية، تسيطر في الوقت نفسه على البنوك والتجارة والصناعة والسياحة وباتت تسخر القوانين لمصالحها الشخصية على حساب المواطن وأمنه الاجتماعي، أمّا القطبة المخفية التي من الضروري كشفها لتتوضح الصورة، تكمن في العلاقة الدائمة بين السنيورة وطبقة الاثرياء الجدد التي ينتمي إليها مازن البساط، والذي أصبح في دائرة الضوء بسبب الفضائح التي لاحقته، فيما بقي السنيورة كشريك مغفل في الظل، فكيف تمكن هذا الاخير من البقاء بعيداً من الشبهات؟
لقد بنى السنيورة خلال ترؤسه الحكومة من العام 2006 ولغاية 2008 شبكة أمان تحميه من الملاحقة القانونية تمثلت بتحكم تيار المستقبل بمفاصل الإدارة في القطاعات كافة وبخاصة القضائية منها والامنية، والمعركة التي يخوضها تكتل التغيير والإصلاح في الحكومة الراهنة من خلال ملف التعيينات تهدف الى رفع سطوة هذا التيار عن الادارة اللبنانية ، فهذا الملف المزمن أدّى الى تراكم المشكلات في الإدارة التي تبلغ نسبة الشغور فيها حوالي 80%، وفي كل مرّة يطرح وزراء التكتل موضوع ملئ الشواغر على النقاش يتمّ ترحيله الى الجلسة اللاحقة بسبب خضوعه لمنطق المحاصصة والتوظيف الزبائني، وقد آن الأوان لهذا الملف الحيوي أن يوضع على السكة الصحيحة، ففي ظلّ تعددّد ولاءات موظفي الدولة اللبنانية من مختلف فئاتهم وبخاصة الفئات الثلاث الأولى، وخضوعهم للمرجعية التي عينتهم وليس للدولة، إضافة الى تبعيتهم للمذهب الذين ينتمون إليه، لا يمكن لعجلة مكافحة الفساد أن تسير، وكل الجهود المبذولة اليوم من قبل الوزارات المعنية لوضع حدّ للتلاعب بصحة الناس وحياتهم ستذهب أدراج الرياح ما لم ترفع الوصاية السياسية عن الادارة بشكل عام وأجهزتها الرقابية بشكل خاص.
من غير المستغرب ان تكون طبقة الأثرياء الجدد انبثقت من رحم الحريرية السياسية أو من الأصح تسميتها بالسنيورية السياسية والتي تستمدّ قوتها من خلال شبكة علاقات متشابكة قائمة على مصالح تجارية مالية، نسجتها مع طبقة سياسية فاسدة تتبع في أدبياتها المذهب المادّي الذي بنظره كل شيئ على وجه الأرض محلّل للإستهلاك ومعروض للبيع، فلا محرّمات توقف نزعاته التدميرية ولا ضمير يقطع شهية الاستغلال لديه ولا قيمة إنسانية تعلو على القيم الماديّة.
*نسيم بو سمرا*
إنّ حجم الفضيحة الذي أتخذته قضية الأمن الغذائي يثبت أنّ الغش مستشري في هذا القطاع منذ عقود وليس وليد البارحة، وعلى رغم الاداء غير المرضي للحكومة الراهنة بشكل عام، إلاّ انها حققت قفزات نوعية في بعض الملفات الحياتية ومن ضمنها ملف الامن الغذائي، وتبقى العبرة في اقرار مشروع القانون المقدم الى المجلس النيابي بخصوص تشديد العقوبات على المزورين وعدم اعطائهم الاسباب التخفيفية.
ولكن ماذا عن ملف الفساد الصحي، الذي يتساوى في خطورته مع الفساد الغذائي نظراً لما يشكله الدواء الفاسد من خطر على حياة المرضى، وخصوصا اولئك الذين يخضعون للعلاج وبحاجة ماسة الى دواء صحيح يخفف من أوجاعهم ويؤهلهم للشفاء؟
في التاسع والعشرين من الشهر الفائت أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت غسان الخوري ثلاثة أحكام في حق صيادلة على خلفية بيعهم أدوية مهربة ومزورة، قضى الاول بسجن صاحب صيدلية مازن في محلة كورنيش المزرعة مازن البساط مدة ستة أشهر بعد خفضها من سنة وثلاثة أشهر وتغريمه مبلغ سبعة ملايين ليرة بعد خفضها من ثلاثين مليوناً، وهنا نسأل القضاء اللبناني، ما الفرق بين مروج المخدرات ومروج الادوية الفاسدة، ولماذا يحصل الثاني على أسباب تخفيفية فيما تشدّد العقوبة على الأول؟ هذا في القانون، ونأمل ان يتبع المشرّع في هذا الاطار المسار الذي اتبعه في الملف الغذائي من ناحية تعديل القانون؛ أمّا في السياسة فلا شيئ يحول دون تطبيق الاسباب التخفيفية في الحالتين، وهذا الموضوع يدرج تحت عنوان تسييس القضاء، وهي الخانة التي تصنف من ضمنها قضية الحكم الصادر في حق مازن البساط، فمن هو مازن البساط وكيف تمكن شخص يُعرّض صحة الناس للخطر من الحصول على حكم مخفف؟
مازن البساط يعرف بصلته الوثيقة برئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة، فهو شريك السنيورة في شراء العقارات وتسجيلهم باسمه لإبعاد الشبهات، وهو شريك السنيورة بالاستيلاء على شركة TMA وهو شريكه كذلك في السوق الحرة لمطار بيروت الدولي وفي شركتي MEA و MEAS، والبساط راكم ثروته الى جانب هذه الشراكة من خلال تهريب 4 مليارات دولار من العراق في مرحلة الاحتلال الاميركي لبلاد الرافدين بواسطة طائرة بساط الريح التي يملكها، وتمّ تبييض هذه الاموال بأساليب عدة بعد توزيعها على عدد من الرأسماليين الكبار، وفق إفادة ابراهيم عياش في قضية بنك المدينة.
لا شك ان الإضاءة على البساط من دون غيره تكمن في العبرة، نظراً للصورة التي يعكسها هذا الشخص على فئة إجتماعية بأكملها تعرف بنادي الأثرياء الجدد(nouveaux riches)، والتي نمت بشكل لافت في لبنان في السنوات العشرين الاخيرة، وتزداد حولها الشبهات بنحو متزايد، نظراً للفترة القياسية التي تمكن من ينتمون إليها من جمع ثرواتهم الطائلة وبطرق غير مشروعة بالطبع، وهذه الفئة الى جانب كونها جزءاً من السلطة السياسية، تسيطر في الوقت نفسه على البنوك والتجارة والصناعة والسياحة وباتت تسخر القوانين لمصالحها الشخصية على حساب المواطن وأمنه الاجتماعي، أمّا القطبة المخفية التي من الضروري كشفها لتتوضح الصورة، تكمن في العلاقة الدائمة بين السنيورة وطبقة الاثرياء الجدد التي ينتمي إليها مازن البساط، والذي أصبح في دائرة الضوء بسبب الفضائح التي لاحقته، فيما بقي السنيورة كشريك مغفل في الظل، فكيف تمكن هذا الاخير من البقاء بعيداً من الشبهات؟
لقد بنى السنيورة خلال ترؤسه الحكومة من العام 2006 ولغاية 2008 شبكة أمان تحميه من الملاحقة القانونية تمثلت بتحكم تيار المستقبل بمفاصل الإدارة في القطاعات كافة وبخاصة القضائية منها والامنية، والمعركة التي يخوضها تكتل التغيير والإصلاح في الحكومة الراهنة من خلال ملف التعيينات تهدف الى رفع سطوة هذا التيار عن الادارة اللبنانية ، فهذا الملف المزمن أدّى الى تراكم المشكلات في الإدارة التي تبلغ نسبة الشغور فيها حوالي 80%، وفي كل مرّة يطرح وزراء التكتل موضوع ملئ الشواغر على النقاش يتمّ ترحيله الى الجلسة اللاحقة بسبب خضوعه لمنطق المحاصصة والتوظيف الزبائني، وقد آن الأوان لهذا الملف الحيوي أن يوضع على السكة الصحيحة، ففي ظلّ تعددّد ولاءات موظفي الدولة اللبنانية من مختلف فئاتهم وبخاصة الفئات الثلاث الأولى، وخضوعهم للمرجعية التي عينتهم وليس للدولة، إضافة الى تبعيتهم للمذهب الذين ينتمون إليه، لا يمكن لعجلة مكافحة الفساد أن تسير، وكل الجهود المبذولة اليوم من قبل الوزارات المعنية لوضع حدّ للتلاعب بصحة الناس وحياتهم ستذهب أدراج الرياح ما لم ترفع الوصاية السياسية عن الادارة بشكل عام وأجهزتها الرقابية بشكل خاص.
من غير المستغرب ان تكون طبقة الأثرياء الجدد انبثقت من رحم الحريرية السياسية أو من الأصح تسميتها بالسنيورية السياسية والتي تستمدّ قوتها من خلال شبكة علاقات متشابكة قائمة على مصالح تجارية مالية، نسجتها مع طبقة سياسية فاسدة تتبع في أدبياتها المذهب المادّي الذي بنظره كل شيئ على وجه الأرض محلّل للإستهلاك ومعروض للبيع، فلا محرّمات توقف نزعاته التدميرية ولا ضمير يقطع شهية الاستغلال لديه ولا قيمة إنسانية تعلو على القيم الماديّة.
*نسيم بو سمرا*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق