"" سليمان يتنازل عن صلاحيّاته الدستورية لعون! ""

جورج شاهين

لم تعد خافية على أحد الأسباب التي حالت دون استكمال التعيينات الإدارية في المواقع المسيحيّة تحديداً بعدما حُسم الكثير منها في المواقع المحسوبة سلفاً للسُنّة أو للشيعة، فعُيّن من عُيّن وبقي مفتاح بقيّة التعيينات وقفاً على تفاهم مسيحيّ أو مارونيّ ما زال بعيد المنال لأسباب عدّة.

 

يعترف المتابعون لملفّ التعيينات الإدارية في مختلف المواقع الإدارية والقضائية والديبلوماسية من جانب العماد ميشال عون أنّه قرّر التمثّل ببعض من حلفائه في قوى 8 آذار لاحتكار المواقع المسيحية على خلفيّة احتكاره التمثيل المسيحيّ في البلاد على كلّ المستويات، وخصوصاً عند جمعِه التمثيل الأكثري النيابي والحكومي في آن. ولذلك فهو يوزّع الوعود يمنةً ويسرةً على الراغبين بالمواقع من مختلف الأجهزة القضائية والإدارية وحتى في تلك التي يجب أن تكون على حياد عن أيّ انقسام أو ولاء سياسيّ كمثل المواقع القيادية في هيئات الرقابة، بعدما انتقلت العدوى، ولو بشكل محدود، إلى حيث لا يجب أن تكون هناك سياسة، كما في الأجهزة الأمنية والقضائية والعسكرية والمالية.

وحجّة حاملي هذه النظرية أنّه لم تعد هناك مواقع شيعية ودرزيّة أو سُنّية ولو بنسبة أقلّ في الأجهزة الأمنية والقضائية والرقابية والماليّة في البلاد خارج إطار أحادية التمثيل الشيعي والدرزي أوّلاً، والسُنّي ثانياً، وهي تقود إلى القول بما معناه، إنّ من حقّه اختيار من يشاء للمواقع المسيحيّة، فهو من يمتلك كتلة وزاريّة لم يشهدها تاريخ تشكيل الحكومات من قبل، وكتلة نيابية هي الأكبر بعد كتلة نوّاب "المستقبل" والثنائية الشيعية بين "أمل" و"حزب الله"، وإنّه ليس لرئيس الجمهورية الحقّ حتى في اختيار أيّ من المرشّحين المسيحيّين ظنّاً منه أنّها المناسبة للانقضاض على الدولة اللبنانية من خلال تعزيز وجوده في الإدارة الرسمية، فقرّر المضيّ في المعركة أيّاً تكن النتائج بما فيها تلك التي نشهد فصلاً من فصولها اليوم، وهي تكمن في الجمود القائم في الوزارات والمؤسّسات، والفراغ في المواقع القيادية طالما إنّ هناك من يناهضه الرأي ويمنعه من استكمال وضع اليد على هذه الإدارة.

على هذه الخلفيّات التي لا يخشى أنصار العماد عون تردّداتها السلبية على الإدارة واللبنانيّين باءت كلّ المحاولات الجارية للخروج من المأزق الذي وضع ملفّ التعيينات في برّاد الأزمة بالفشل. وخصوصاً عندما حاول البعض البحث عن حل، وأوّلهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي عمل لتقريب وجهات النظر بين أصحاب هذه النظرية السالفة الذكر من جهة، وأصحاب نظرية أخرى تقول باحترام موقع رئاسة الجمهورية بما يمثل من موقع يبقى في أسوأ الحالات فوق الانقسامات الداخلية العميقة من جهة أخرى. فيما كان يطالب آخرون بالحرص على توازنات دقيقة في الإدارة لطالما تُرجمت في العهود السابقة، وهي تقضي بإبعاد مواقع حسّاسة عن الانقسام السياسي في البلاد وخصوصاً على مستوى الهيئات القضائية والرقابية. وكلّ ذلك يجري بعدما تجاوزت بعض الحالات اعتبار هذه المواقع من أسلحة رئيس الجمهورية للفصل في الخلافات التي يمكن أن تحصل بين قوى سياسية وحزبية وحتى طائفية ومذهبية حرصاً على هيبة بعض المؤسّسات وحيادها.

تزامُنا لا يمكن للمراقب أن يخفي بعض الأدوار والمحاولات التي قام بها رئيس الحكومة لإخراج ملفّ التعيينات من عنق الزجاجة، فكانت البروفا واضحة من خلال المحاولة الفاشلة لإمرار التعيينات في الهيئات الرقابية كمجلس الخدمة المدنية والمجلس التأديبي العام، لكنّها وقعت ضحيّة المعادلة السلبية التي حكمت مصيرها بالفشل بسبب مواقف عون التي وضعت رئيس الحكومة في منزلة رئيس الجمهورية فاتّهم بـ"مدّ اليد" على المواقع المسيحيّة والقفز فوق رأيه في كلّ اسم وموقع، وسانده في ذلك حلفاؤه، ليس على قاعدة إغرائه بالاستمرار في وضع عصيّه في دواليب التعيينات ما لم يشفِ رغباته كاملة فحسب، إنّما من أجل مقايضات أخرى وضعت بعض الملفّات في صلب المواجهة الدائرة حول ملفّات وعناوين شتّى فاختيرت لها معركة التعيينات غشاءً يغلّفها، فيخفيها ويبقيها بعيداً من الأضواء إلى أن يأتي الوقت المناسب للكشف عنها، فتتجدّد عندها تجربة التخلّي عن وزير العمل شربل نحّاس مرّة أخرى.

ثمّة من يقول صراحة، ومنهم رئيس الحكومة إنّه "وباستثناء بعض التعيينات في بعض المراكز الأساسية المسيحية العالقة في انتظار بلورة حلّ

في شأنها، فإنّ كلّ التعيينات الأخرى المشمولة بالآليّة تمّ الاتّفاق على أن تأخذ طريقها سريعاً وتُعرَض قريباً جدّاً في مجلس الوزراء بحسب الآلية المطلوبة".

وبناءً على ما تقدّم ثمّة من يحذّر من أنّ الصراع بلغ هذه المرحلة المتقدّمة التي أدّت إلى "كربجة" كلّ التعيينات وخصوصاً في المواقع المسيحية في مرحلة هي الأخطر ولا سيّما على مستوى مجلس القضاء الأعلى بالاستناد إلى رأي وزير العدل الذي اعتبر أنّه "لا يجوز أن يبقى المجلس من دون رئيس ولا سيّما أنّ ولاية المجلس تنتهي أوائل حزيران المقبل وهذا شيء خطير".

ولذلك هناك من يقترح ساخراً أن يتنازل الرئيس سليمان عن موقعه لرئيس تكتّل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون، لربّما تمّ التوصّل إلى حلّ لمعضلة عمرها أكثر من 23 عاماً، تمتدّ في جذورها إلى ما قبل اتّفاق الطائف وضحاياه من المسيحيّين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات