"" لماذا تعمّد الأسير مهاجمة الحريري... ومن يستفيد؟! ""

لم يكن متوقّعاً أن يجد الشيخ أحمد الأسير وقتاً كافياً وظرفاً مناسباً لهجوم عنيف على الرئيس سعد الحريري، فالمفترض أنه متفرّغ للمواجهة المصيرية ضد الرئيس بشّار الأسد. ولكن ليس مستغرباً أن يسارع إعلام الأسد في لبنان إلى تكبير حجم الخلاف، إنها فرصة لا تُفوَّت.

 

لم يكتفِ الشيخ الأسير بالردّ على انتقاد تيار "المستقبل" للتظاهرة "التي لا تخدم حمص"، وعلى بعض أركانه الذين وضعوه في خانة المتطرف، بل ذهب إلى حدّ التهشيم الشخصي بالحريري: "حتّى سْكِي ما بيعرف يعمل"!

هذا الهجوم أثار التساؤلات، فالعديد من الأوساط كان يعتقد بأن العلاقة بين الطرفين "عادية"، وأن "المستقبل" ليس مستاءً من ظاهرة الأسير، إذ لا يُضرّه وجود رجل دين سنّي يقيم التوازن مع العمائم الشيعية في "حزب الله". وكان في اعتقاد البعض أن هناك "قَبّة باط" من التيار عن الأسير، ما دام لا يشكّل منافساً له على الساحة السنّية. فالأسير ليس في الحجم الذي يتيح له القضم من زعامة كبيرة في الطائفة، ولكن تبيّن أن هناك نموّاً إعلامياً سريعاً له، وأن إمام المسجد الصيداوي قفز من الهجوم على الأسد إلى الهجوم على الحريري، رفيقه المفترض في المعركة، أو على الأقلّ عدوّ عدوّه. وهو تمكّن في مساجلته مع الحريري من إيجاد موقع له يفوق المتوقّع.

لذلك، قد تتضرّر الطائفة السنيّة من السجال... ليستفيد آخرون. وإذا لم يُضبط الوضع عند حدود التباين السياسي العادي، فإن الأسد وحلفاءه اللبنانيين سيستثمرونه لإضعاف المواجهة السنّية ضدهم، في أصعب الأوقات. وسيؤدي ذلك تحديداً إلى إلهاء تيار "المستقبل" بمعركة جانبية مع طرف سنّي، يُفترض أنه "يُمتْرس" معه في خندق واحد، فيما "التيار" يحتاج إلى تدعيم الحضور استعداداً لانتخابات 2013.

قد يُقال إن في هذا الكلام تضخيماً في الاتجاهين: لحجم السجال، ولحجم الشيخ الأسير كحالة داخل الطائفة. وهذا التقدير صحيح إذا ما تمّ التعاطي مع الملف ضمن المعطيات المحدودة التي تظهر اليوم. لكنه لا يعود كذلك إذا ما تبيّن أن ظاهرة الأسير ستتّسع وتأخذ حيّزاً أكبر في اللعبة السياسية. وملامح هذا الاتّساع أطلّت من خلال البروز القوي للأسير في التظاهرة، قبل أسبوع، وفي الأضواء التي تمّ تسليطها في إعلام 8 آذار على هاتين الظاهرة والتظاهرة. فقد تمّت الإفادة منهما لتصوير أن الاتجاه الذي تتجه إليه الحالة السنّية في لبنان هو التشدّد المذهبي أو السلفية. وهذه الصورة هي التي يرغب النظام السوري في إعطائها للمعارضة في سوريا، والتي يحاول إثباتها في لبنان، من خلال القول بدورٍ للتنظيمات السلفية الإرهابية يمتدّ إلى الداخل السوري.

نموذج عون 1989

وثمّة من يعتقد أن ظاهرة الأسير - بغير قصد منه - مرشّحة للاستغلال في الطائفة السنّية لإضعاف الحريرية السياسية، خصوصاً إذا ما لقيت تعاطفاً "صُوَريّاً" أو"غير بريء" من شرائح سنّية معيّنة، ليس معروفاً ولاؤها الحقيقي. فالقيادات السنّية التي يدعمها النظام أثبتت أنها غير مؤهلة لضرب الحريرية، على رغم التغييب القسري للحريري. وقد يَرْكب النظام أي موجة سنّية، خصوصاً إذا تمكّن من "تلغيمها" بمجموعات السلفيين الذين "يَمون عليهم"، وهم كُثُر ويتحرّكون تحت عناوين مختلفة في الوسط السنّي اللبناني والمخيمات الفلسطينية. وكان لافتاً الحذر الذي أبداه الأسير في تحميل "فتح الإسلام" المسؤولية عن حرب نهر البارد، إذ قال: "هذا ما ظهر في الإعلام".

من هنا، يصبح الأسير أمام مسؤولية عدم تشريع الباب للنظام كي يخرق الحالة السنّية التي يمثّل تيار "المستقبل" معظمها، ولو كانت هناك ثغرات وهفوات في المسار السياسي للتيار، منذ العام 2005. ولا يمكن، تحت عنوان الحرب لإسقاط النظام، خلق واقع يتيح لهذا النظام أن يضرب شبه الإجماع الشعبي للسنّة على تيار "المستقبل".

وفي هذا المجال، يبدو النموذج المسيحي درساً لمن يَعتبِر. ففي العام 1989، بدأ العماد ميشال عون حروبه "لتحرير لبنان من الاحتلال السوري". ولكن، وبسحر ساحر، جرى القفز من هذا العنوان لخلق صِدام غير مبرّر مع القوة المسيحية الأكثر رمزية، والمقاومة الطبيعية لهذا الاحتلال، أي "القوات اللبنانية". وزاد في السوء دخول عون حرباً غير متكافئة أو مدروسة مع سوريا، التي حظيت بغطاء إقليمي ودولي للوصاية على لبنان. فكانت نتيجة الحرب على سوريا هزيمة مسيحية نكراء، ونكسة وطنية شاملة. فسوريا استطاعت، بعد حرب دمّرت المناطق المسيحية، أن تدخل إلى حيث كانت عاجزة من قبل. وبعد ذلك، خَلَت لها الساحة اللبنانية تماماً حتى العام 2005.

الأوساط تحذّر من أن يتيح الخلاف السنّي - السنّي للبعض الدخول على الخطّ، لشحن الأجواء بين الأسير وتيار "المستقبل"، من حيث لا يريدان. فيتحوّل السجال مشروع أزمة لإضعاف الجسم السنّي و"المستقبل"، وتالياً 14 آذار. وهذا مطلب مُلحّ للكثيرين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات