"" هكذا يحارب «فتى الكتائب» ميشال عون بسلاحه ""

أثبت حزب الكتائب في وسط بيروت بتنظيمه التظاهرة الاعتراضية على كتاب التاريخ المجتزأ، أنّه يطمح في لحظة التحوّلات الكبرى إلى مخاطبة النبض المسيحيّ المتوجّس من كلّ ما يمكن أن يطمس مرحلةً كاملة منذ الاستقلال وإلى العام 1990، كان فيها المسيحيّون يشعرون بقوّتهم الناشئة عن القدرة الذاتيّة، لا عن الاتّكاء على شراكةٍ مع المسلمين لا يحظون فيها إلّا بدور المتلقّي الخائف الذي يحتاج بين كلّ تطمين وتطمين إلى تطمينٍ جديد.

 

وأثبت فتى الكتائب النائب سامي الجميّل من خلال هذه التظاهرة قدرته على إعادة العماد عون إلى مقاعد الدراسة في مدرسةِ أصول النطق بالهموم المسيحيّة والهواجس، ليس فقط لأنّه نجح في وضع العماد عون في مأزق العجز عن دقّ الأجراس كلّما دعت حاجة التذكير بافتئات على المسيحيّين وتاريخهم ودورهم في لبنان، بل لأنّه استطاع ومن موقع مستقلّ داخل 14 آذار، أن يُحرج عون وأن يحاربه بسلاحه محيّداً التيّار وقياداته ومصوّباً على حزب الله ومخاطباً في الوقت نفسه هواجس المسيحيّين من الدويلة، ليس بدءاً من كلمته في مجلس النوّاب وليس انتهاءً بتظاهرة الأمس التي لا تنفصل عن سياق المواجهة مع حزب الله، كلّ ذلك على مرأى من المسيحيّين الذين بدأوا يلتفتون باهتمام إلى النائب الشاب وهو يراكم سعياً لجذبهم دون أن يمرّ بمواجهة مباشرة مع عون، ودون أن يفقد جسور الاتّصال مع قيادات في تيّاره ومع معارضين لنهجه من داخل بيته البرتقاليّ، كأنّه يقول لزملائه مسيحيّي 14 آذار: "بهذه الطريقة ننتصر".

لهذا لا يمكن إلّا أن تُضاف تظاهرة الاعتراض على اجتزاء كتاب التاريخ، إلى سلسلة خطوات عملية تفرّدت بها الكتائب أدّت إلى إحراج العماد عون وبعض 14 آذار على السواء.

فكما في المجلس النيابي كذلك في ترشيش، قدّم سامي الجميّل أوراق اعتماده كسياسيّ يفعل بقدر ما يقول، أفعالٌ ساهمت بملء فراغٍ فرضَته على قوى 14 آذار اعتباراتٌ ظلّت منذ السابع من أيّار أقوى من قدرتها على ملئه.

وتبعاً لذلك فإنّ التظاهرة الكتائبية وإن أدّت إلى إحراج عون، إلّا أنّها ساهمت بتظهير صورة مشوّشة عن مشاركة الكتائب وانخراطها في 14 آذار، فهذه التظاهرة أبرزت افتراق الأولويّات داخل 14 آذار، وسلّطت الضوء على تمايز الكتائب داخل ثورة الأرز، وهو تمايزٌ يهبط ويعلو على إيقاعٍ مختلف عن سير باقي القوى، بحيث بات يبدو وكأنّه انخراط الضرورة لا القناعة، كما يبدو كأنّه ركوبٌ في قطارٍ يقترب من الوصول إلى المحطة الأخيرة، ما يستدعي التحضّر للتفتيش عن قطار آخر لإكمال الرحلة.

وليس صعباً ملاحظة أنّ الكتائب تشارك في 14 آذار وتقاطع بناءً على قراءتها الخاصة، وليس صعباً أيضاً ملاحظةُ أنّ موافقةَ الكتائب على الوثائق والأدبيّات التي تصدر عن 14 آذار، لا تعدو كونها موافقةً شكليّةً لا تلبس الممارسة العملية أن تنقضها كلّما دعت الحاجة، خصوصاً بما يتعلق بالموقف من الشراكة الإسلاميّة المسيحيّة التي تنظر إليها الكتائب كإنشاءٍ رومنسيّ مرشّحٍ للاندثار على صخرة الوقائع الصادمة في العلاقة بين الطوائف، أو بما يتعلق بالموقف من اتّفاق الطائف الذي برأي الكتائب لا يُمكن أن يصمد تحت ضغط هواجس الطوائف، أو بما يتّصل بالموقف ممّا يجري في المنطقة وخصوصاً في سوريا، فهو يتأرجح بين دعم 14 آذار المطلق للثورة السوريّة وحذر البطريركية المارونية من ربيعٍ قد يتحوّل إلى شتاء.

هذه الوقائع الصادمة هي التي حرّكت وتحرّك موقف الكتائب، وهي التي تجعل من حركة النائب الجميّل أقرب إلى سباقٍ وجهته الصراع على زعامة المسيحيّين.

في الطريقِ إلى الصراع على هذه الزعامة استعمل الجميّل بنجاح سلاح العماد عون وحاربه به مسجّلاً أهدافاً عدّة في شباكه، كما أنّه حرص في الوقت ذاته على البقاء بشروطه داخل 14 آذار بما يشبه الجهوزية لتقطيع مرحلةٍ تدقّ بعد انتهائها ساعة البحث بالخيارات والتحالفات البديلة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات